إيلون ماسك يعود إلى البيت الأبيض في خطوة بارزة مع ذوبان الجليد مع ترامب
عاد إيلون ماسك إلى البيت الأبيض مساء الثلاثاء، في أول ظهور علني كبير له هناك منذ انقسامه السياسي الدرامي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا العام.
حضر رئيس شركتي تسلا وسبيس إكس عشاء دولة على شرف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان - وهي اللحظة التي يبدو أنها تشير إلى ذوبان كبير في التوترات بين اثنين من أكثر الشخصيات نفوذاً في السياسة والأعمال الأمريكية.
استقطب الحدث الرسمي، الذي حضره عددٌ غير معتاد من القادة السياسيين، ومديري شركات فورتشن 500، ومشاهير عالميين. وكان من بين الحضور الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، والرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جينسن هوانغ، ووريث شركة أوراكل، ديفيد إليسون، ومؤسس شركة سيلزفورس، مارك بينيوف، وملياردير صناديق التحوط، بيل أكمان.
حضر الحفل أيضًا كبار المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم نائب الرئيس جيه دي فانس، والسيدة الثانية أوشا فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ورئيس مجلس النواب مايك جونسون، ونائب رئيس موظفي البيت الأبيض ستيفن ميلر. وفي مستهل كلمته، تفاخر ترامب بأن القاعة الشرقية "تعجّ بأكبر قادة العالم".
جاء هذا التجمع الفخم في ختام يوم حافل بالاحتفالات. رحب ترامب بولي العهد السعودي في الحديقة الجنوبية بفرقة موسيقية عسكرية، وموكب على ظهور الخيل، وتحليق لطائرات مقاتلة - وهو عرض صُمم للتأكيد على التزام الإدارة بالشراكة الأمريكية السعودية في وقت لا تزال فيه الرياض تواجه انتقادات من المشرعين ومنظمات حقوق الإنسان.
وعلى الرغم من الحساسيات السياسية المحيطة بمقتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، أكد البيت الأبيض أن التعاون في مجال سياسة الطاقة والأمن الإقليمي يظل مهمًا للغاية من الناحية الاستراتيجية بحيث لا يمكن إهماله.
كان حضور ماسك في عشاء الدولة لافتًا للنظر، ليس فقط بسبب المشهد الذي أحاط به، بل أيضًا لما بدا أنه يمثله من مصالحة سياسية. كانت هذه أول زيارة رسمية له إلى البيت الأبيض منذ يونيو/حزيران، عندما توترت علاقته بترامب بسبب الاقتراح المالي الشامل للإدارة، والذي عُرف رسميًا باسم "قانون مشروع القانون الكبير الجميل".
انتقد ماسك التشريع علنًا لتأثيره على الدين الوطني، بينما اتهم ترامب وحلفاؤه الجمهوريون الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا باهتمامه المتزايد بالإلغاء التدريجي لحوافز السيارات الكهربائية في مشروع القانون. بلغ الخلاف ذروته باستقالة ماسك من منصبه غير الرسمي في إدارة كفاءة الحكومة، حيث كان مسؤولًا عن تطبيق سياسات خفض التكاليف في الإدارة. وتصاعد الخلاف سريعًا إلى عداء علني، حيث تبادل الرجلان الانتقادات اللاذعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمقابلات.
بحلول يوليو، تفاقم الخلاف لدرجة أن ماسك طرح فكرة إنشاء حزب سياسي ثالث - ما يُسمى بالحزب الأمريكي - قبل أن يُعلن لاحقًا أنه "بذل جهدًا كافيًا" سياسيًا. وسرعان ما نأى رئيس شركة تيسلا بنفسه عن واشنطن، حتى أنه صرّح لبلومبرغ بأن خبرته في الحكومة قد نفّرته من السياسة الحزبية.
ومع ذلك، ورغم تداعيات الخلاف، أفادت التقارير أن عددًا من كبار الجمهوريين، بمن فيهم نائب الرئيس فانس، عملوا خلف الكواليس لإصلاح العلاقة وإقناع ماسك بالعودة إلى صفوف الحزب الجمهوري. والتقى الرجلان لفترة وجيزة في سبتمبر/أيلول في حفل تأبين الناشط المحافظ تشارلي كيرك، إلا أن ماسك ظل بعيدًا عن المناسبات الرسمية حتى عشاء يوم الثلاثاء.
يأتي ظهور ماسك مجددًا في فترة بدا فيها نفوذه السياسي آخذًا في التضاؤل. ففي وقت سابق من هذا العام، بلغ ذروة نفوذه في واشنطن عندما منحته وزارة كفاءة الحكومة سلطةً واسعةً لمتابعة إصلاحات خفض التكاليف الفيدرالية، وكان أكبر مساهم مالي في دورة انتخابات 2024، حيث خُصص الجزء الأكبر من إنفاقه لدعم ترامب.
لكن التدخل السياسي عالي المخاطر كان له عواقب وخيمة. بدأت علامة تيسلا التجارية تعاني مع تزايد ربط المستهلكين لسيارات الشركة بسياسات ماسك اليمينية الاستقطابية، في حين ازداد قلق المستثمرين من أن فترة وجوده في واشنطن كانت تُشتت انتباهه عن الابتكار والقيادة التشغيلية التي ميّزت نجاح شركاته.
أوضحت رئيسة مجلس إدارة شركة تسلا، روبين دينهولم، علنًا أن ماسك احتفظ بمساحة واسعة للانخراط في السياسة، لكنها أكدت أنه يجب عليه الاستمرار في تحقيق معالم الأداء المرتبطة بحزمة التعويضات غير المسبوقة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار أمريكي.
في ظل هذه الخلفية، تبدو عودة ماسك إلى البيت الأبيض أقرب إلى عودة مدروسة بعناية إلى فلك واشنطن، وليس انتعاشًا سياسيًا شاملًا. وتشير هذه الخطوة إلى أن كلاً من ماسك والإدارة الأمريكية يرون فائدة في تخفيف التوترات دون إعادة إشعال معارك السياسة التي عصفت بعلاقتهما سابقًا.
والآن، يصف ترامب، الذي وصف ماسك في ذروة الخلاف بأنه "مبالغ في تقديره"، علاقتهما بأنها "جيدة"، في حين خفف ماسك بشكل ملحوظ من انتقاداته للإدارة في الأسابيع الأخيرة.
في الوقت الحالي، يبدو التقارب رمزيا وليس استراتيجيا ــ وهي لفتة تعيد أغنى رجل في العالم إلى الغرفة دون الإشارة إلى إعادة تعيينه رسميا أو تجديد دوره في صنع السياسات.
ولكن الرسالة البصرية كانت واضحة لا لبس فيها: إيلون ماسك أصبح موضع ترحيب مرة أخرى في أروقة السلطة، وإدارة ترامب على استعداد لإظهار هذا الانفراج على واحدة من أكثر مسارحها الدبلوماسية شهرة.
ولكن ما يظل غير مؤكد هو ما إذا كان هذا القرب المتجدد سوف يترجم في نهاية المطاف إلى نفوذ سياسي، أو ما إذا كان حضور ماسك في العشاء الرسمي يمثل ببساطة إعادة فتح علاقة يدرك كلا الرجلين أنها ذات قيمة كبيرة بحيث لا يمكن التخلي عنها ــ حتى بعد معركة سياسية عنيفة كشفت لفترة وجيزة عن أحد أكثر التحالفات غير التقليدية في السياسة الأميركية الحديثة.